الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

[۶۳۱] [۶۳۲] [۶۳۳] [۶۳۴]

الامر بالمعروف والنهی عن المنکر

إن من أعظم الواجبات الدینیة هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، قال الله تعالی: {وَلْتَکن مِّنکمْ أُمَّةٌ یدْعُونَ إِلَی الْخَیرِ وَیأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَینْهَوْنَ عَنِ الْمُنکرِ وَأُوْلَـئِک هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وعن النبی (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنّه قال: «لَا تَزَالُ أُمَّتِی بِخَیرٍ مَا أَمَرُوْا بِالمَعْرُوْفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْکرِ وَتَعَاوَنُوا عَلَیٰ البِرِّ، فَإِذَا لَمْ یفْعَلُوْا ذٰلِک نُزِعَتْ مِنْهُمُ البَرَکاتِ وسُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَیٰ بَعْضٍ، وَلَمْ یکنْ لَهُمْ نَاصِرٌ فِی الأَرْضِ وَلَا فِی السَّمَاءِ».

وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه قال: «لَا تَتْرُکوا الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْی عَنِ المُنْکرِ فَیوَلَّیٰ عَلَیکمْ شِرَارُکمْ ثُمَّ تَدْعُوْنَ فَلَا یسْتَجَابُ لَکمْ».

مسئله ۶۳۱ : یجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إذا کان المعروف واجباً والمنکر حراماً، ووجوبه عندئذٍ کفائی یسقط بقیام البعض به. نعم، وجوب إظهار الکراهة قولاً أو فعلاً من ترک الواجب أو فعل الحرام عینی لا یسقط بفعل البعض، روی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه قال: «أَمَرَنَا رَسُوْلُ الله – صَلَّیٰ اللهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – أَنْ نَلْقَیٰ أَهْلَ المَعَاصِی بِوُجُوْهٍ مُکفَهِرَّةٍ».

وإذا کان المعروف مستحبّاً یکون الأمر به مستحبّاً.

ویلزم أن یراعی فیه أن لا یکون علی نحو یستلزم إیذاء المأمور أو إهانته، کما لا بُدَّ من الاقتصار فیه علی ما لا یکون ثقیلاً علیه بحیث یزهّده فی الدین، وهکذا فی النهی عن المکروه.

مسئله ۶۳۲ : یشترط فی وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أمور:

الأوّل: معرفة المعروف والمنکر ولو إجمالاً، فلا یجب الأمر بالمعروف علی الجاهل بالمعروف، کما لا یجب النهی عن المنکر علی الجاهل بالمنکر. نعم، قد یجب التعلّم مقدّمة للأمر بالأوّل والنهی عن الثانی.

الثانی: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر وانتهاء المنهی عن المنکر بالنهی، فلو علم أنّه لا یبالی ولا یکترث بهما فالمشهور بین الفقهاء (رضوان الله علیهم) أنّه لا یجب شیء تجاهه، ولکن لا یترک الاحتیاط بإبداء الانزعاج والکراهة لترکه المعروف أو ارتکابه المنکر وإن علم عدم تأثیره فیه.

الثالث: أن یکون تارک المعروف أو فاعل المنکر بصدد الاستمرار فی ترک المعروف وفعل المنکر، ولو عُرِف من الشخص أنّه بصدد ارتکاب المنکر أو ترک المعروف – ولو لمرّة واحدة – وجب أمره أو نهیه قبل ذلک.

الرابع: أن لا یکون فاعل المنکر أو تارک المعروف معذوراً فی فعله للمنکر أو ترکه للمعروف لاعتقاد أنّ ما فعله مباح ولیس بحرام، أو أنّ ما ترکه لیس بواجب. نعم، إذا کان المنکر ممّا لا یرضی الشارع بوجوده مطلقاً کقتل النفس المحترمة فلا بُدَّ من الردع عنه ولو لم یکن المباشر مکلّفاً فضلاً عمّا إذا کان جاهلاً.

الخامس: أن لا یخاف الآمر بالمعروف والناهی عن المنکر ترتّب ضرر علیه فی نفسه أو عرضه أو ماله بالمقدار المعتدّ به، ولا یستلزم ذلک وقوعه فی حرج شدید لا یتحمّل عادة، إلّا إذا أحرز کون فعل المعروف أو ترک المنکر بمثابة من الأهمیة عند الشارع المقدّس یهون دونه تحمّل الضرر والحرج.

وإذا کان فی الأمر بالمعروف أو النهی عن المنکر خوف الإضرار ببعض المسلمین فی نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به سقط وجوبه. نعم، إذا کان المعروف والمنکر من الأمور المهمّة شرعاً فلا بُدَّ من الموازنة بین الجانبین من جهة درجة الاحتمال وأهمیة المحتمل، فربّما لا یحکم بسقوط الوجوب.

مسئله ۶۳۳ : للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر عدّة مراتب:

الأولی: أن یأتی المکلّف بفعل یظهر به انزجاره القلبی وتذمّره من ترک المعروف أو فعل المنکر، کالإعراض عن الفاعل وترک الکلام معه.

الثانیة: أن یأمر بالمعروف وینهی عن المنکر بقوله ولسانه، سواء أکان بصورة الوعظ والإرشاد أم بغیرهما.

الثالثة: أن یتّخذ إجراءات عملیة للإلزام بفعل المعروف وترک المنکر، کفرک الأذن والضرب والحبس ونحو ذلک.

ولکلّ مرتبة من هذه المراتب درجات متفاوتة شدّة وضعفاً، ویجب الابتداء بالمرتبة الأولی أو الثانیة مع مراعاة ما هو أکثر تأثیراً وأخفّ إیذاءً، ثُمَّ التدرّج إلی ما هو أشدّ منه.

وإذا لم تنفع المرتبتان الأولی والثانیة تصل النوبة إلی المرتبة الثالثة، والأحوط لزوماً استحصال الإذن من الحاکم الشرعی فی إعمالها، ویتدرّج فیها من الإجراء الأخفّ إیذاءً إلی الإجراء الأشدّ والأقوی من دون أن یصل إلی حدّ الجرح أو الکسر.

مسئله ۶۳۴ : یتأکد وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فی حقّ المکلّف بالنسبة إلی أهله، فیجب علیه إذا رأی منهم التهاون فی بعض الواجبات – کالصلاة أو الصیام أو الخمس أو بقیة الواجبات – أن یأمرهم بالمعروف علی الترتیب المتقدّم، وهکذا إذا رأی منهم التهاون فی بعض المحرّمات – کالغیبة والکذب ونحوهما -، فإنّه یجب أن ینهاهم عن المنکر وفق الترتیب المارّ ذکره.

نعم، فی جواز الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بالنسبة إلی الأبوین بغیر القول اللین وما یجری مجراه من المراتب المتقدّمة إشکال، فلا یترک مراعاة الاحتیاط فی ذلک.

قد تمّ القسم الأوّل فی أحکام العبادات، ویتلوه القسم الثانی فی أحکام المعاملات

والحمد لله أوّلاً وآخراً