«المستحدثات » البنوک

[۱] [۲] [۳] [۴] [۵] [۶] [۷] [۸] [۹] [۱۰] [۱۱] [۱۲] [۱۳] [۱۴] [۱۵] [۱۶] [۱۷] [۱۸] [۱۹] [۲۰] [۲۱] [۲۲] [۲۳] [۲۴] [۲۵] [۲۶] [۲۷] [۲۸] [۲۹] [۳۰] [۳۱]

«المسائل المستحدثة » اعمال المصاریف والبنوک

المصارف والبنوک فی الدول الإسلامیة علی ثلاثة أصناف:

  • ۱- الأهلی، وهو: الذی یکون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشترکین.
  • ۲- الحکومی، وهو: الذی یکون رأس ماله مُکوَّناً من أموال الدولة.
  • ۳- المشترک، وهو: الذی تشترک الدولة والأهالی فی تکوین رأس ماله.

مسئله ۱ : لا یجوز الاقتراض من البنوک الأهلیة بشرط دفع الزیادة لأنّه رباً محرّم، ولو اقترض کذلک صحّ القرض وبطل الشرط، ویحرم دفع الزیادة وأخذها وفاءً للشرط.

وقد ذکر للتخلّص من الربا طرق:

منها: أن یشتری المقترض من صاحب البنک أو من وکیله المفوَّض بضاعة بأکثر من قیمتها الواقعیة (۱۰% أو ۲۰% مثلاً) بشرط أن یقرضه مبلغاً معیناً من النقد لمدّة معلومة یتّفقان علیها، أو یبیعه متاعاً بأقلّ من قیمته السوقیة ویشترط علیه فی ضمن المعاملة أن یقرضه مبلغاً معیناً لمدّة معلومة، فیقال: إنّه یجوز الاقتراض عندئذٍ ولا رباً فیه.

ولکنّه لا یخلو عن إشکال، والأحوط لزوماً الاجتناب عنه. ومثله الحال فی الهبة والإجارة والصلح بشرط القرض.

وفی حکم جعلِ القرض شرطاً فی المعاملة المُحاباتیة جعلُ الإمهال فی أداء الدین شرطاً فیها.

ومنها: تبدیل القرض بالبیع، کأن یبیع البنک مبلغاً معیناً – کمائة دینار – بأزید منه – کمائة وعشرین دینار – نسیئةً لمدّة شهرین مثلاً.

ولکنّ هذا وإن لم یکن قرضاً ربویاً علی التحقیق غیر أنّ صحّته بیعاً محلّ إشکال.

نعم، لا مانع من أن یبیع البنک مبلغاً – کمائة دینار – نسیئةً إلی شهرین مثلاً، ویجعل الثمن المؤجَّل عُمْلَة أخری تزید قیمتها علی المائة دینار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزید المائة والعشرون علی المائة، وفی نهایة المدّة یمکن أن یأخذ البنک من المشتری العملة المقرّرة أو ما یساویها من الدنانیر لیکون من الوفاء بغیر الجنس.

ومنها: أن یبیع البنک بضاعة بمبلغ – کمائة وعشرین دیناراً – نسیئةً لمدّة شهرین مثلاً، ثُمَّ یشتریها من المشتری نقداً بما ینقص عنها کمائة دینار.

وهذا أیضاً لا یصحّ إذا اشترط فی البیع الأوّل قیام البنک بشراء البضاعة نقداً بالأقلّ من ثمنه نسیئةً ولو بإیقاع العقد مبنیاً علی ذلک. وأمّا مع خلوّه عن الشرط فلا بأس به.

ویلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها – لو صحّت – لا تحقّق للبنک غرضاً أساسیاً وهو استحقاق مطالبة المدین بمبلغ زائد لو تأخّر عن أداء دینه عند نهایة الأجل وازدیاده کلّما زاد التأخیر، فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخیر فی الدفع یکون من الربا المحرّم ولو کان ذلک بصیغة جعله شرطاً فی ضمن عقد البیع مثلاً.

مسئله ۲ : لا یجوز الاقتراض من البنوک الحکومیة بشرط دفع الزیادة لأنّه رباً، بلا فرق بین کون الاقتراض مع الرهن أو بدونه. ولو اقترض کذلک بطل الشرط کما یبطل أصل القرض وإن خَلا عن شرط الزیادة؛ لأنّ البنک لا یملک ما تحت یده من المال لیملّکه للمقترض.

وللتخلّص من ذلک یجوز للشخص أن یقبض المال من البنک لا بقصد الاقتراض الربوی ویرجع فیه إلی الحاکم الشرعی، وقد أذِنّا للمؤمنین ممّن یقبضه کذلک بالتصرّف فیه وفق ما حُدّد له من المصارف المشروعة علی أحد وجهین:

إمّا بأن یتملّکه من غیر ضمان، ولکن مع ذلک لیس له الامتناع عن دفع ما یعادله إلی البنک ما لم ‏یسقطه عنه.

وإمّا بأن یحتسبه قرضاً علی نفسه – من غیر زیادة – ویکفی عندئذٍ وفاؤه للبنک ذاته وتبرأ ذمّته بذلک.

ولا¬ یضرّه علی الوجهین العلم بأنّ البنک سوف یلزمه بدفع الزیادة أیضاً، فلو طالبه بها جاز له دفعها إلیه.

مسئله ۳ : یجوز الإیداع فی البنوک الأهلیة – بمعنی إقراضها – مع عدم اشتراط الحصول علی الزیادة، بمعنی عدم إناطة القرض بالتزام البنک بدفع الزیادة، لا بمعنی أن یبنی فی نفسه علی أنّ البنک لو لم‏ یدفع الزیادة لم ‏یطالبها منه، فإنّ البناء علی المطالبة یجتمع مع عدم الاشتراط، کما یجتمع البناء علی عدم المطالبة مع الاشتراط، فأحدهما أجنبی عن الآخر.

مسئله ۴ : لا یجوز الإیداع فی البنوک الأهلیة – بمعنی إقراضها – مع شرط الزیادة، ولو فعل ذلک صحّ الإیداع وبطل الشرط، فإذا قام البنک بدفع الزیادة لم ‏تدخل فی ملکه، ولکن یجوز له التصرّف فیها إذا کان واثقاً من رضا أصحابه بذلک، حتّی علی تقدیر علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزیادة شرعاً کما هو الغالب.

مسئله ۵ : لا یجوز الإیداع فی البنوک الحکومیة – بمعنی إقراضها – مع اشتراط الحصول علی الزیادة فإنّه رباً، بل إیداع المال فیها ولو من دون شرط الزیادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً؛ لأنّ ما یمکن استرجاعه من البنک لیس هو مال البنک، بل بحکم المال المجهول مالکه.

وعلی ذلک یشکل إیداع الأرباح والفوائد التی یجنیها الشخص أثناء سنته فی البنوک الحکومیة قبل إخراج الخمس منها؛ لأنّه مأذون فی صرفه فی مؤونته ولیس مأذوناً فی إتلافه، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه.

هذا إذا لم ‏یقع الإیداع بإذن الحاکم الشرعی مع ترخیصه للبنک فی أداء عوض المال المودع ممّا لدیه من الأموال، وأمّا الإیداع مع الإذن والترخیص المذکورین – کما صدر ذلک منّا للمؤمنین کافّة – فیقع صحیحاً ویجری علیه حکم الإیداع فی البنک الأهلی.

وأمّا الزیادة الممنوحة من قِبَل البنک وفق قوانینه فقد أذِنّا للمُودعین بالتصرّف فی النصف منها مع التصدّق بالنصف الآخر علی الفقراء المتدینین.

مسئله ۶ : لا فرق فی الإیداع فیما تقدّم بین الإیداع الثابت الذی له أمد خاصّ – بمعنی أنّ البنک غیر ملزم بوضع المال تحت الطلب – وبین الإیداع المتحرّک المسمّی بالحساب الجاری الذی یکون البنک فیه ملزماً بوضع المال تحت الطلب.

مسئله ۷ : تشترک البنوک المشترکة مع البنوک الحکومیة فیما تقدّم من الأحکام؛ لأنّ الأموال الموجودة لدیها یتعامل معها معاملة مجهول المالک، فلا یجوز التصرّف فیها من دون إذن الحاکم الشرعی.

مسئله ۸ : ما تقدّم کان حکم الإیداع والاقتراض من البنوک الأهلیة والحکومیة فی الدول الإسلامیة، وأمّا البنوک التی یقوم غیر المسلمین بتمویلها – أهلیة کانت أم غیرها – فیجوز الإیداع فیها بشرط الحصول علی الفائدة؛ لجواز أخذ الربا منهم.

وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزیادة فهو حرام. ویمکن التخلّص منه بقبض المال من البنک وتملّکه لا بقصد الاقتراض، فیجوز له التصرّف فیه بلا حاجة إلی إذن الحاکم الشرعی.

الاعتمادات

الاعتماد علی قسمین:

۱ اعتماد الاستیراد، وهو: أنّ مَنْ یرید استیراد بضاعة أجنبیة یتقدّم إلی البنک بطلب فتح اعتماد یتعهّد البنک بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة المستوردة وتسلیمها إلی فاتح الاعتماد وتسدید ثمنها إلی الجهة المصدِّرة، وذلک بعد تمامیة المعاملة بین المستورِد والمصدِّر مراسلةً أو بمراجعة الوکیل الموجود فی البلد، وإرسال القوائم المحدّدة لنوعیة البضاعة کمّاً وکیفاً حسب الشروط والمواصفات المتّفق علیها، وقیام المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلی البنک، فإنّه بعد هذه المراحل یقوم البنک بتسلّم مستندات البضاعة وأداء ثمنها إلی الجهة المصدِّرة.

۲ اعتماد التصدیر، وهو لا یختلف عن اعتماد الاستیراد إلّا فی الاسم، فمن یرید تصدیر بضاعة إلی الخارج یقوم المستورد الأجنبی بفتح اعتماد لدی البنک لیتعهّد البنک بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة وتسدید ثمنها إلی البائع المصدِّر بعد طی المراحل المشار إلیها آنفاً.

فالنتیجة: أنّ القسمین لا یختلفان فی الحقیقة، فالاعتماد سواء أکان للاستیراد أم للتصدیر یقوم علی أساس تعهّد البنک للبائع بأداء دین المشتری – وهو ثمن البضاعة المشتراة – وتسلّم مستنداتها وتسلیمها إلی المشتری.

نعم، هنا قسم آخر من الاعتماد، وهو أنّ المصدِّر یقوم بإرسال قوائم البضاعة – کمّاً وکیفاً – إلی البنک أو فرعه فی ذلک البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة، والبنک بدوره یعرض تلک القوائم علی تلک الجهة، فإن قبلتها طلبت من البنک فتح اعتماد لها، ثُمَّ یقوم بدور الوسیط إلی أن یتمّ تسلیم البضاعة وقبض الثمن.

مسئله ۹ : الظاهر جواز فتح الاعتماد لدی البنوک بجمیع الأقسام المذکورة، کما یجوز للبنوک قیامها بما ذکر من الخدمات.

مسئله ۱۰ : یتقاضی البنک من فاتح الاعتماد نحوین من الفائدة:

الأوّل: ما یکون بإزاء خدماته له من التعهّد بأداء دینه والاتّصال بالمصدِّر وتسلّم مستندات البضاعة وتسلیمها إلیه، ونحو ذلک من الأعمال.

وهذا النحو من الفائدة یجوز أخذه علی أساس أنّه داخل فی إیقاع الجعالة، أی أنّ فاتح الاعتماد یعین للبنک جُعْلاً إزاء قیامه بالأعمال المذکورة، ویمکن إدراجه فی عقد الإجارة أیضاً مع توفّر شروط صحّته المذکورة فی محلّها.

الثانی: ما یکون فائدة علی المبلغ الذی یقوم البنک بتسدیده إلی الجهة المصدِّرة من ماله الخاصّ لا من رصید فاتح الاعتماد، فإنّ البنک یأخذ فائدة نسبیة علی المبلغ المدفوع إزاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلی مدّة معلومة.

وقد یصحّح أخذ هذا النحو من الفائدة بأنّ البنک لا یقوم بعملیة إقراض لفاتح الاعتماد، ولا یدخل الثمن فی ملکه بعقد القرض لیکون رباً، بل یقوم بدفع دین فاتح الاعتماد بموجب طلبه وأمره، وعلیه فیکون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الإتلاف لا ضمان قرض لیحرم أخذ الزیادة.

ولکن من الواضح أنّ فاتح الاعتماد لا یضمن للبنک بطلبه أداء دینه إلّا نفس مقدار الدین، فأخذ الزیادة بإزاء إمهاله فی دفعه یکون من الربا المحرّم. نعم، لو عین فاتح الاعتماد للبنک إزاء قیامه بأداء دینه جُعْلاً بمقدار أصل الدین والزیادة المقرّرة نسیئةً – لمدّة شهرین مثلاً – اندرج ذلک فی إیقاع الجعالة، ویحکم بصحّته.

هذا ویمکن التخلّص من الربا فی أخذ هذا النحو من الفائدة بوجهٍ آخر، وهو إدراجه فی البیع، فإنّ البنک یقوم بدفع ثمن البضاعة بالعُمْلة الأجنبیة إلی المصدِّر، فیمکن قیامه ببیع مقدار من العُمْلة الأجنبیة فی ذمّة المستورد بما یعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إلیه، وبما أنّ الثمن والمثمن یختلفان فی الجنس فلا بأس به.

هذا کلّه إذا کان البنک أهلیاً، وأمّا إذا کان حکومیاً أو مشترکاً فی بلد إسلامی فحیث إنّ البنک یؤدّی دین فاتح الاعتماد – ممّا یکون بحکم مجهول المالک – لا یصیر مدیناً شرعاً للبنک بشیء، فلا یکون التعهّد بأداء الزیادة إلیه من قبیل التعهّد بدفع الربا المحرّم.

خزن البضائع

قد یکون البنک وسیطاً فی إیصال البضائع من المصدِّر إلی المستورد، فربّما یقوم بتخزینها علی حساب المستورد، کما إذا تمّ العقد بینه وبین المصدِّر وقام البنک بتسدید ثمنها له، فعند وصول البضاعة یقوم البنک بتسلیم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصولها، فإن تأخّر المستورد عن تسلّمها فی الموعد المقرّر قام البنک بخزنها وحفظها علی حساب المستورد إزاء أجر معین، وقد یقوم بحفظها علی حساب المصدِّر، کما إذا أرسل البضاعة إلی البنک دون عقد واتّفاق مسبق مع جهة مستوردة، فعندئذٍ یقوم البنک بعرض قوائم البضاعة علی الجهات المستوردة فی البلد، فإن لم‏ یقبلوها حفظها علی حساب المصدِّر إزاء أجر معین.

مسئله ۱۱ : یجوز للبنک أخذ الأجرة إزاء عملیة التخزین فی کلتا الصورتین المتقدّمتین إذا کان قیامه بها بطلب من المصدِّر أو المستورد، أو کان قد اشترط ذلک فی ضمن عقد کالبیع وإن کان الشرط ارتکازیاً، وإلّا فلا یستحقّ شیئاً.

بیع البضائع عند تخلف أصحابها عن تسلّمها

إذا تخلّف صاحب البضاعة عن تسلّمها ودفع المبالغ المستحقّة للبنک – بعد إعلان البنک وإنذاره بذلک – یقوم البنک ببیع البضاعة لاستیفاء حقّه من ثمنها.

مسئله ۱۲ : یجوز للبنک فی الحالة المذکورة أن یقوم ببیع البضاعة، کما یجوز للآخرین شراؤها، لأنّ البنک وکیل من قبل أصحاب البضاعة فی بیعها عند تخلّفهم عن دفع ما علیهم من بقیة المبالغ المستحقّة له وتسلّم البضاعة، وذلک بمقتضی الشرط الصریح أو الارتکازی الموجود فی أمثال هذه الموارد، فإذا جاز بیعها جاز شراؤها أیضاً.

الکفالة عند البنوک

إذا تعهّد شخص أو أشخاص مشترکون لجهة حکومیة أو غیرها بإنجاز مشروع، کتأسیس مدرسة أو مستشفی أو جسر أو نحوها، فتمّ الاتّفاق بینهما علی ذلک، فإنّ المتعهَّد له قد یشترط علی المتعهِّد دفع مبالغ من المال فی حالة عدم إنجاز المشروع وإتمامه فی الوقت المقرّر عوضاً عن الخسائر التی قد تصیبه، ولکی یطمئنّ المتعهَّد له بذلک یطالب المتعهِّدَ بکفیل علی هذا، وفی هذه الحالة یرجع المتعهِّد والمقاول إلی البنک لیصدِر له مستند ضمان یتکفّل فیه للمتعهَّد له بأداء مبالغ التعویض إذا امتنع المقاول المتعهِّد عن دفعها بعد تخلّفه عن القیام بإنجاز المشروع فی الموعد المقرّر.

مسئله ۱۳ : تعهّد البنک للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة علی تقدیر امتناع المقاول عن أدائها نحوٌ من الکفالة المالیة فی مقابل الکفالة المصطلحة فی أبواب المعاملات، التی هی عبارة عن التعهّد لشخص بإحضار شخص آخر له حقّ علیه عند طلبه.

وتفترق الکفالة المالیة عن الضمان فی أنّ الضامن تشتغل ذمّته للمضمون له بنفس الدین المضمون، فلو مات قبل وفائه أُخرج من ترکته مُقدَّماً علی الإرث، وأمّا الکفیل المالی فلا تشتغل ذمّته للمکفول له بنفس المال، بل بأدائه إلیه، فلو مات قبل ذلک لم ‏یخرج من ترکته شیءٌ إلّا بوصیة منه.

ویصحّ عقد الکفالة بإیجاب من الکفیل بکلّ ما یدلّ علی تعهّده والتزامه، من قول أو کتابة أو فعل، وبقبول من المکفول له بکلّ ما یدلّ علی رضاه بذلک.

مسئله ۱۴ : یجوز للبنک أن یأخذ عمولة معینة من المقاول المتعهِّد لإنجاز المشروع إزاء کفالته وتعهّده، ویمکن تخریج ذلک من باب الجعالة، بأن یعین المقاول العمولة المطلوبة جُعْلاً للبنک علی قیامه بعمل الکفالة فیحلّ له أخذها حینئذٍ.

مسئله ۱۵ : إذا تخلّف المقاول عن إنجاز المشروع فی المدّة المقرّرة وامتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلی المتعهَّد له (صاحب المشروع)، فقام البنک بدفعها إلیه، فهل یحقّ للبنک الرجوع بها علی المقاول أم لا؟ الظاهر أنّه یحقّ له ذلک؛ لأنّ تعهّد البنک وکفالته کان بطلب من المقاول، فهو ضامن لما یخسره البنک بمقتضی تعهّده، فیحقّ له أن یرجع إلیه ویطالبه به.

بیع السهام

قد تطالب الشرکات المساهمة وساطة البنک فی بیع الأسهم التی تمتلکها، ویقوم البنک بدور الوسیط فی عملیة بیعها وتصریفها إزاء عمولة معینة بعد الاتّفاق بینه وبین الشرکة.

مسئله ۱۶ : تجوز هذه المعاملة مع البنک، فإنّها – فی الحقیقة – لا تخلو من دخولها إمّا فی الإجارة، بمعنی أنّ الشرکة تستأجر البنک للقیام بهذا الدور إزاء أجرة معینة، وإمّا فی الجعالة علی ذلک. وعلی کلا التقدیرین فالمعاملة صحیحة، ویستحقّ البنک الأجرة أو الجُعل إزاء قیامه بالعمل المذکور.

مسئله ۱۷ : یصحّ بیع هذه الأسهم وشراؤها. نعم، إذا کانت معاملات الشرکة المساهمة محرّمة – کما لو کانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا – لم یجز شراء أسهمها والاشتراک فی تلک المعاملات.

بیع السندات

السندات: صکوک تصدرها جهات مُخوَّلة قانوناً بقیمة اسمیة معینة مؤجّلة إلی مدّة معلومة وتبیعها بالأقلّ منها، مثلاً: یبیع السند الذی قیمته الاسمیة مائة دینار بخمسة وتسعین دیناراً نقداً علی أن یؤدّی المائة بعد سنة مثلاً. وقد تتولّی البنوک عملیة البیع، وتأخذ علی ذلک عمولة معینة.

مسئله ۱۸ : هذه المعاملة یمکن أن تقع علی نحوین:

۱ أن تقترض الجهة التی تصدر السند ممّن یشتریه مبلغ خمسة وتسعین دیناراً – فی المثال المذکور – وتدفع إلیه مائة دینار فی نهایة المدّة المحدّدة وفاءً لدینه مع اعتبار الخمسة دنانیر الزائدة فائدة علی القرض، وهذا رباً محرّم.

۲ أن تبیع الجهة التی تصدر السند مائة دینار مؤجّلة الدفع إلی سنة – مثلاً – بخمسة وتسعین دیناراً نقداً، وهذا وإن لم ‏یکن قرضاً ربویاً علی التحقیق، ولکنّ صحّته بیعاً محلّ إشکال، والأحوط لزوماً الاجتناب عنه.

فالنتیجة: أنّه لا یمکن تصحیح بیع السندات المذکورة التی تتعامل بها الجهات الرسمیة وغیرها.

مسئله ۱۹ : لا یجوز للبنوک التوسّط فی بیع السندات وشرائها، کما لا یجوز لها أخذ العمولة علی ذلک.

الحوالات الداخلیة والخارجیة

مسئله ۲۰ : الحوالة فی المصطلح الفقهی تقتضی نقل الدین من ذمّة المُحیل إلی ذمّة المُحال علیه، ولکنّها هنا تستعمل فی الأعمّ من ذلک. وفیما یلی نماذج للحوالات المصرفیة:

الأوّل: أن یصدر البنک صَکاً لعمیله بتسلّم المبلغ من وکیله فی الداخل أو الخارج علی حسابه إذا کان له رصید مالی فی البنک، وعندئذٍ یأخذ البنک منه عمولة معینة إزاء قیامه بهذا الدور.

والظاهر جواز أخذه هذه العمولة؛ لأنّ للبنک حقّ الامتناع عن قبول وفاء دینه فی غیر مکان القرض، فیجوز له أخذ عمولة إزاء تنازله عن هذا الحقّ وقبول وفاء دینه فی ذلک المکان.

الثانی: أن یصدر البنک صکاً لشخص یحقّ له بموجبه أن یتسلّم مبلغاً معیناً من بنک آخر فی الداخل أو الخارج بعنوان الاقتراض منه، نظراً لعدم وجود رصید مالی للشخص عنده، ویأخذ البنک عمولة معینة إزاء قیامه بهذا العمل.

والظاهر أنّه یجوز للبنک أخذ العمولة علی إصداره صکاً من هذا القبیل إذا کان مردّه إلی أخذ الجُعل علی توکیل البنک الثانی فی إقراض حامل الصک المبلغ المذکور فیه من أموال البنک الأوّل الموجودة لدیه، فلیس هو من قبیل أخذ الجُعل علی الإقراض نفسه لیکون حراماً، بل من قبیل أخذ الجُعل علی التوکیل فی الإقراض، فلا یکون الإلزام بدفع الجُعل مرتبطاً بعملیة الإقراض نفسها، بل بالتوکیل فیها، فلا یکون به بأس حینئذٍ.

ثُمَّ إنّ المبلغ المذکور فی الصک إذا کان من العملة الأجنبیة یحدث للبنک حقّ، وهو أنّ المدین حیث اشتغلت ذمّته بالعملة المذکورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة، فلو تنازل عن حقّه هذا وقَبِلَ الوفاء بالعملة المحلّیة جاز له أخذ شیء منه إزاء هذا التنازل، کما أنّ له تبدیلها بالعملة المحلّیة مع تلک الزیادة.

الثالث: أن یدفع الشخص مبلغاً معیناً من المال إلی البنک فی النجف الأشرف مثلاً، ویأخُذُ تحویلاً بالمبلغ أو بما یعادله علی بنک آخر فی الداخل کبغداد، أو الخارج کلبنان أو دمشق مثلاً، ویأخذ البنک إزاء قیامه بعملیة التحویل عمولة معینة منه، وهذا یمکن أن یقع علی نحوین:

أ- أن یبیع الشخص مبلغاً معیناً من العملة المحلّیة علی البنک بمبلغ من العملة الأجنبیة یعادل المبلغ الأوّل مع خَصْم عمولة التحویل منه، وهذا لا بأس به کما سبق نظیره.

ب- أن یقوم الشخص بإقراض البنک مبلغاً معیناً ویشترط علیه تحویله إلی بنک آخر فی الداخل أو الخارج مع عمولة معینة بإزاء عملیة التحویل، وهذا لا بأس به أیضاً؛ لأنّ التحویل وإن کان عملاً محترماً له مالیة عند العقلاء، فیکون اشتراط القیام به علی المقترض من قبیل اشتراط النفعِ الملحوظِ فیه المالُ المحرّمِ شرعاً، إلّا أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة الدالّة علی جواز اشتراط المقرض علی المقترض قیامه بأداء القرض فی مکان آخر جواز اشتراط التحویل أیضاً، فإذا کان یجوز اشتراطه مجّاناً وبلا مقابل فیجوز اشتراطه بإزاء عمولة معینة بطریق أولی.

الرابع: أن یقبض الشخص مبلغاً معیناً من البنک فی النجف الأشرف مثلاً، ویحوّل البنک لاستیفاء بدله علی بنک آخر فی الداخل أو الخارج، ویأخذ البنک الأوّل إزاء قبوله الحوالة عمولة معینة منه، وهذا یقع علی نحوین:

أ- أن یبیع البنک علی الشخص مبلغاً من العملة المحلّیة بمبلغ من العملة الأجنبیة یعادل المبلغ الأوّل مع إضافة عمولة التحویل إلیه، فیحوّله المشتری إلی البنک الثانی لتسلّم الثمن، وهذا جائز کما سبق.

ب- أن یقرضه البنک مبلغاً معیناً، ویشترط علیه دفع عمولة معینة إزاء قبوله بنقل القرض إلی ذمّة أخری وتسدیده فی بلد آخر، وهذا رباً؛ لأنّه من قبیل اشتراط دفع الزیادة فی القرض وإن کانت بإزاء عملیة التحویل.

نعم، إذا وقع هذا من غیر شرط مُسبق، بأن اقترض المبلغ من البنک أوّلاً ثُمَّ طلب منه تحویل قرضه إلی بنک آخر لاستیفائه منه، فطلب البنک عمولة علی قبوله ذلک جاز؛ لأنّ من حقّ البنک الامتناع عن قبول ما ألزمه به المقترض من نقل القرض إلی ذمّة أخری وتسدیده فی بلد غیر بلد القرض.

ولیس هذا من قبیل ما یأخذه المقرض بإزاء إبقاء القرض والإمهال فیه لیکون رباً، بل هو ممّا یأخذه لکی یقبل بانتقال قرضه إلی ذمّة أخری وأدائه فی مکان آخر، فلا بأس به حینئذٍ.

مسئله ۲۱ : قد تنحلّ الحوالة إلی حوالتین، کما إذا أحال المدین دائنه علی البنک بإصدار صک لأمره، وقام البنک بتحویل مبلغ الصک علی فرع له فی بلد الدائن، أو علی بنک آخر فیه یتسلّمه الدائن هناک، فإنّ مردّ ذلک إلی حوالتین:

إحداهما: حوالة المدین دائنه علی البنک، وبذلک یصبح البنک مدیناً لدائنه.

ثانیتهما: حوالة البنک دائنه علی فرع له فی بلد الدائن أو علی بنک آخر فیه، ودور البنک فی الحوالة الأولی قبول الحوالة، وفی الثانیة إصدارها.

وکلتا الحوالتین صحیحة شرعاً، ولکن إذا کانت حوالة البنک علی فرع له یمثّل نفس ذمّته لا تکون هذه حوالة بالمصطلح الفقهی؛ إذ لیس فیها نقل الدین من ذمّة إلی أخری، وإنّما مرجعها إلی طلب البنک من وکیله فی مکان آخر وفاء دینه فی ذلک المکان.

وعلی أی حال، فیجوز للبنک أن یتقاضی عمولةً علی قیامه بما ذکر، حتّی بإزاء قبوله حوالةَ مَنْ له رصیدٌ فی البنک دائنَهُ علیه؛ لأنّها من قبیل الحوالة علی المدین، والمختار عدم نفوذها من دون قبول المُحال علیه، فله أخذ العمولة علی ذلک.

مسئله ۲۲ : ما تقدّم من أقسام الحوالة وتخریجها الفقهی یجری بعینه فی الحوالة علی الأشخاص، کأن یدفع مبلغاً من المال لشخص لیحوّله بنفس المبلغ أو بما یعادله علی شخص آخر فی بلده أو بلد آخر، ویأخذ المُحیل بإزاء ذلک عمولة معینة، أو یأخذ مبلغاً من شخص ویحوّله بنفس المبلغ أو بما یعادله علی شخص آخر، ویأخذ المُحال إزاء ذلک عمولة معینة.

مسئله ۲۳ : لا فرق فیما تقدّم بین أن تکون الحوالة علی المدین أو علی البریء، والأوّل فیما إذا کان للمُحیل رصید مالی علی ذمّة المحال علیه، والثانی ما لم یکن کذلک.

جوائز البنک

قد یقوم البنک بعملیة القرعة بین عملائه، ویعطی لمن تصیبه القرعة مبلغاً من المال بعنوان الجائزة ترغیباً للإیداع فیه.

مسئله ۲۴ : هل یجوز للبنک القیام بهذه العملیة؟ فیه تفصیل:

فإنّه إن کان قیامه بها لا باشتراط عملائه عند إیداعهم لأموالهم فی البنک، بل بقصد تشویقهم وترغیبهم علی تکثیر رصیدهم لدیه، وترغیب الآخرین علی فتح الحساب عنده، جاز ذلک. کما یجوز عندئذٍ لمن أصابته القرعة أن یقبض الجائزة ویتصرّف فیها بعد الاستئذان فی ذلک من الحاکم الشرعی إذا کان البنک حکومیاً أو مشترکاً فی بلد إسلامی، وإذا کان أهلیاً جاز قبض الجائزة والتصرّف فیها بلا حاجة إلی إذن الحاکم الشرعی.

وأمّا إذا کان قیام البنک بعملیة القرعة ودفع الجائزة بعنوان الوفاء بالشرط الذی اشترطه علیه عُمَلاؤه فی ضمن عقد القرض أو نحوه فلا یجوز ذلک، کما لا یجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلک الشرط، ویجوز بدونه.

تحصیل الکمبیالات

من الخدمات التی یقوم بها البنک تحصیلُ قیمة الکمْبِیالة لحساب عمیله، فإنّه قبل تاریخ استحقاقها یخطر المدین (موقّع الکمْبِیالة) ویشرح فی إخطاره قیمتها ورقمها وتاریخ استحقاقها لیکون علی علم ویتهیأ للدفع، وبعد التحصیل یقید القیمة فی حساب العمیل أو یدفعها إلیه نقداً، ویأخذ منه عمولة إزاء هذه الخدمة.

ومن هذا القبیل قیام البنک بتحصیل قیمة الصَّک لحامله من بلده أو من بلد آخر، کما إذا لم ‏یرغب الحامل تسلّم القیمة بنفسه من الجهة المُحال علیها، فیأخذ البنک منه عُمُولة إزاء قیامه بهذا العمل.

مسئله ۲۵ : تحصیل قیمة ا الکمْبِیالات وأخذ العمولة علی ذلک یقع علی أنحاء:

۱ أن یقدّم المستفید کمْبِیالة إلی البنک غیر مُحوَّلة علیه ویطلب من البنک تحصیل قیمتها إزاء عمولة معینة، والظاهر جواز هذه الخدمة وأخذ العمولة بإزائها، ولکن بشرط أن یقتصر عمل البنک علی تحصیل قیمة الکمْبِیالة فقط، وأمّا تحصیل فوائدها الربویة فهو غیر جائز، ویمکن تخریج العمولة فقهیاً بأنّها جعالة من الدائن للبنک علی تحصیل دینه.

۲ أن یقدّم المستفید کمْبِیالة إلی البنک محوّلة علیه، ولکن لم یکن مدیناً لموقّعها، أو کان مدیناً له بعملة أخری غیر ما أحال بها علیه، وحینئذٍ یجوز للبنک أخذ عمولة إزاء قبوله هذه الحوالة بالشرط المتقدّم فی سابقه؛ لأنّ القبول غیر واجب علی البریء، وکذا علی المدین بغیر جنس الحوالة، فحینئذٍ لا بأس بأخذ شیء مقابل التنازل عن حقّه هذا.

۳ أن یقدّم المستفید کمْبِیالة إلی البنک مُحوَّلة علیه ممّن لدیه رصید مالی لدی البنک، وقد أشار فیها بتقدیمها إلی البنک عند الاستحقاق لیقوم البنک بخصم قیمتها من حسابه الجاری ویقیدها فی حساب المستفید (الدائن) أو دفعها له نقداً، فمردّ ذلک إلی أنّ الموقّع أحال دائنه علی البنک المدین له، فیکون ذلک من قبیل الحوالة علی المدین، والمختار فیها – کما تقدّم – اعتبار قبول المحال علیه (وهو البنک هنا)، فلا تکون الحوالة نافذة من دون قبوله، وعلیه فیجوز له أخذ عمولة إزاء قیامه بقبول الحوالة وأداء دینه.

بیع العملات الاجنبیة وشراؤها

من أعمال البنوک القیامُ بشراء العملات الأجنبیة وبیعها، لغرض توفیر القدر الکافی منها لسدّ حاجات عملائها، ولا سیما التجّار المستوردین للبضائع من الخارج، وللحصول علی الربح منه نتیجة الفرق بین أسعار الشراء والبیع.

مسئله ۲۶ : یصحّ بیع العملات الأجنبیة وشراؤها بقیمتها السوقیة، وبالأقلّ وبالأکثر، بلا فرق فی ذلک بین کون البیع أو الشراء حالّاً أو مؤجّلاً، فإنّ البنک کما یقوم بعملیة العقود الحالّة یقوم بعملیة العقود المؤجّلة.

السحب علی المکشوف

کلُّ من لدیه رصید لدی البنک فی الحساب الجاری یحقّ له سحب أی مبلغ لا یزید عن رصیده. نعم، قد یسمح البنک له بسحب مبلغ معین من دون رصید نظراً لثقته به، ویسمّی ذلک بـ «السَّحب علی المکشوف»، ویحتسب البنک فائدة علی هذا المبلغ.

مسئله ۲۷ : السحب علی المکشوف مردّه إلی الاقتراض من البنک بشرط دفع الفائدة، فهو قرض ربوی محرّم، وما یتقاضاه البنک من الفوائد علی المبالغ المسحوبة تعدّ من الفوائد الربویة المحرّمة. نعم، إذا کان البنک حکومیاً أو مشترکاً فی بلد إسلامی فلا بأس بالسحب منه لا بقصد الاقتراض، والرجوع إلی الحاکم الشرعی لتصحیح التصرّف فی المال علی نحو ما تقدّم فی المسألة الثانیة.

خصم الکمبیالات

تمهیدات:

الأوّل: یمتاز البیع عن القرض فی أنّ البیع تملیک عین بعوض لا مجّاناً، والقرض تملیک للمال بالضمان فی الذمّة بالمثل إذا کان مثلیاً وبالقیمة إذا کان قیمیاً [۱] .

کما یمتاز عنه فی أنّ البیع الربوی باطل من أصله، دون القرض الربوی، فإنّه باطل بحسب الزیادة فقط، وأمّا أصل القرض فهو صحیح.

ویمتاز عنه أیضاً فی أنّ کلّ زیادة فی القرض إذا اشتُرطت تکون رباً ومحرّمة دون البیع، فإنّه تحرم فیه الزیادة مطلقاً فی المکیل والموزون من العوضین المتّحدین جنساً، وأمّا لو اختلفا فی الجنس أو لم ‏یکونا من المکیل والموزون، فإن کانت المعاملة نقدیة فلا تکون الزیادة رباً.

وأمّا لو کانت المعاملة مؤجّلة – کما لو باع مائة بیضة بمائة وعشر إلی شهر، أو باع عشرین کیلو من الأرز بأربعین کیلو من الحنطة إلی شهر – ففی عدم کون ذلک من الربا إشکال، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه.

الثانی: الأوراق النقدیة بما أنّها من المعدود یجوز بیع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسیئة. وأمّا مع الاتّحاد فی الجنس فیجوز التفاضل فی البیع بها نقداً، وأمّا نسیئة فلا یخلو عن إشکال کما تقدّم والأحوط لزوماً التجنّب عنه، وعلی ذلک فیجوز للدائن عشرة دنانیر عراقیة مثلاً أن یبیع دینه بالأقلّ منها کتسعة دنانیر نقداً، کما یجوز له بیعه بالأقلّ منها من عملة أخری کتسعة دنانیر أردنیة نقداً، ولا یجوز ذلک نسیئة؛ لأنّه لا یجوز بیع ما یکون دیناً قبل العقد بما یکون دیناً بالعقد مؤجّلاً.

الثالث: الکمْبِیالات المتداولة بین التجّار فی الأسواق لم ‏تعتبر لها مالیة کالأوراق النقدیة، بل هی مجرّد وثیقة لإثبات أنّ المبلغ الذی تتضمّنه دین فی ذمّة موقّعها لمن کتبت باسمه، فالمعاملات الجاریة علیها لا تجری علی أنفسها بل علی النقود التی تعبّر عنها، وأیضاً عندما یدفع المشتری کمْبِیالة للبائع لا یدفع بذلک ثمن البضاعة إلیه ولا تفرغ ذمّته منه، ولذا لو ضاعت الکمْبِیالة أو تلفت عند البائع لا یتلف منه مال، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدیة وتلفت عنده أو ضاعت.

مسئله ۲۸ : الکمْبِیالات علی نوعین:

أ- ما یعبّر عن وجود قرض واقعی، بأن یکون موقّع الکمْبِیالة مدیناً لمن کتبت باسمه بالمبلغ الذی تتضمّنه.

ب- ما یعبّر عن وجود قرض صوری لا واقع له.

أمّا فی الأوّل: فیجوز للدائن أن یبیع دینه المؤجّل الثابت فی ذمّة المدین بأقلّ منه حالّاً، کما لو کان دینه مائة دینار فباعه بثمانیة وتسعین دیناراً نقداً، وبعد ذلک یقوم البنک أو غیره بمطالبة المدین (موقّع الکمْبِیالة) بقیمتها عند الاستحقاق.

وأمّا فی الثانی: فلا یجوز للدائن الصوری بیع ما تتضمّنه الکمْبِیالة؛ لانتفاء الدین واقعاً وعدم اشتغال ذمّة الموقِّع للموقَّع له (المستفید)، بل إنّما کتبت لتمکین المستفید من خصمها فحسب، ولذا سمیت «کمْبِیالة مجاملة».

ومع ذلک یمکن تصحیح خصمها بنحو آخر، بأن یوکل موقّع الکمْبِیالة المستفید فی بیع قیمتها فی ذمّته علی البنک – مثلاً – بأقلّ منها نقداً، مراعیاً الاختلاف بین العوضین فی الجنس، کأن تکون قیمتها خمسین دیناراً عراقیاً والثمن ألف تومان إیرانی مثلاً، وبعد هذه المعاملة تصبح ذمّة موقّع الکمْبِیالة مشغولة للبنک بخمسین دیناراً عراقیاً إزاء ألف تومان إیرانی، ویوکل الموقّع أیضاً المستفید فی بیع الثمن – وهو ألف تومان – علی نفسه بما یعادل المثمن وهو خمسون دیناراً عراقیاً، وبذلک تصبح ذمّة المستفید مدینة للموقّع بمبلغ یساوی ما کانت ذمّة الموقّع مدینة به للبنک.

ولکنّ هذا الطریق قلیل الفائدة، حیث إنّه إنّما یفید فیما إذا کان الخصم بعملة أجنبیة، وأمّا إذا کان بعملة محلّیة فلا أثر له؛ إذ لا یمکن تنزیله علی البیع عندئذٍ علی ما عرفت من الإشکال فی بیع المعدود مع التفاضل نسیئةً.

وأمّا خصم قیمة الکمْبِیالة الصوریة لدی البنک علی نحو القرض، بأن یقترض المستفید من البنک مبلغاً أقلّ من قیمة الکمْبِیالة الاسمیة، ثُمَّ یحوّل البنک الدائن علی موقّعها بتمام قیمتها، لیکون من الحوالة علی البریء، فهذا رباً محرّم؛ لأنّ اشتراط البنک فی عملیة الاقتراض (الخصم) اقتطاع شیء من قیمة الکمْبِیالة إنّما هو من قبیل اشتراط الزیادة المحرّم شرعاً ولو لم‏ تکن الزیادة بإزاء المدّة الباقیة بل بإزاء قیام البنک ببعض الأعمال کتسجیل الدین وتحصیله ونحوهما؛ لأنّه لا یحقّ للمقرض أن یشترط علی المقترض أی نحو من أنحاء النفع الملحوظ فیه المال.

هذا إذا کان البنک أهلیاً، وأمّا لو کان حکومیاً أو مشترکاً فی بلد إسلامی فیمکن التخلّص من ذلک بأن لا یقصد المستفید فی عملیة الخصم لدیه شیئاً من البیع والاقتراض، بل یقصد الحصول علی ذلک المال، فیقبضه ویتصرّف فیه بإذن الحاکم الشرعی، فإذا رجع البنک فی نهایة المدّة إلی موقّع الکمْبِیالة وألزمه بدفع قیمتها جاز له الرجوع علی المستفید ببدل ما دفع إذا کان قد وقّع الکمْبِیالة بأمر وطلب منه.

العمل لدی البنوک

تصنّف أعمال البنوک صنفین:

أحدهما: محرّم، وهو الأعمال التی لها صلة بالمعاملات الربویة، کالتوکیل فی إجرائها، وتسجیلها، والشهادة علیها، وقبض الزیادة لآخذها، ونحو ذلک. ومثلها الأعمال المرتبطة بمعاملات الشرکات التی تتعامل بالربا أو تتاجر بالخمور، کبیع أسهمها وفتح الاعتماد لها وما یشبههما.

وهذه کلّها محرّمة لا یجوز الدخول فیها، ولا یستحقّ العامل أجرةً إزاء تلک الأعمال.

ثانیهما: سائغ، وهی غیر ما ذکر، فیجوز الدخول فیها وأخذ الأجرة علیها.

مسئله ۲۹ : إذا کان دافع الزیادة فی المعاملة الربویة غیر مسلم – سواء کان هو البنک الأجنبی أو غیره – فقد تقدّم أنّه یجوز حینئذٍ أخذها للمسلم، وعلی ذلک یجوز الدخول فی الأعمال التی ترتبط بإجراء مثل هذه المعاملة الربویة فی البنوک وخارجها.

مسئله ۳۰ : الأموال الموجودة لدی البنوک الحکومیة والمشترکة فی البلاد الإسلامیة لمّا کانت تعدّ بمنزلة المال المجهول مالکه – الذی یحرم التصرّف فیه من غیر مراجعة الحاکم الشرعی – لم ‏یجز العمل لدی هذه البنوک فی قبض الأموال وتسلیمها إلی المتعاملین مع البنک ممّن یتصرّفون فیها من غیر إذن الحاکم الشرعی. نعم، إذا أذن الحاکم الشرعی بالعمل لدی هذه البنوک فی المجال المذکور جاز.

مسئله ۳۱: الجعالة والإجارة والحوالة ونحوها من المعاملات المشروعة الجاریة مع البنوک الحکومیة فی الدول الإسلامیة تتوقّف صحّتها علی إجازة الحاکم الشرعی، فلا تصحّ من دون إجازته. وهکذا المعاملات الجاریة مع البنوک المشترکة بین الحکومة والأهالی فیما یخصّ سهم الحکومة فیها، فإنّ صحّتها تتوقّف علی إجازة الحاکم الشرعی أیضاً، وقد أذِنّا للمؤمنین فیها جمیعاً مع استجماعها للشروط المعتبرة عندنا فی صحّتها.

[۱] قد یقال: إنّ البیع والقرض یفترقان من جهةٍ أخری، وهی اعتبار وجود فارق بین العوض والمعوّض فی البیع، وبدونه لا یتحقّق البیع، وعدم اعتبار ذلک فی القرض. ویترتّب علی ذلک أنّه لو باع مائة دینار بمائة وعشرة دنانیر فی الذمّة فلا بُدَّ من وجود مائز بین العوضین، کأن یکون أحدهما دیناراً عراقیاً والثانی دیناراً أردنیاً، وأمّا لو کانا جمیعاً من الدینار العراقی – مثلاً – من فئة وطبعة واحدة فهو قرض بصورة البیع؛ لانطباق العوض علی المعوّض مع زیادة فیکون محرّماً لتحقّق الربا فیه.
ولکنّ هذا غیر واضح؛ لأنّه یکفی فی تحقّق مفهوم البیع وجود التغایر بین العوضین فی وعاء الإنشاء من حیث کون المعوّض عیناً شخصیة والعوض کلّیاً فی الذمّة، مضافاً إلی أنّ لازم هذا الرأی القول بصحّة بیع عشرین کیلو من الحنطة نقداً بمثلها نسیئةً بدعوی أنّه قرض غیر ربوی حقیقة وإن کان بصورة البیع، مع أنّه – کما یعترف هذا القائل -من بیع أحد المثلین بالآخر مع زیادة حکمیة فیکون من الربا المحرّم.